لماذا الهجرة وليس المولد؟ قراءة في رمزية الحدث الذي أسس للتاريخ الإسلامي
الخرطوم :بلو نايل بوست Blue Nile Post

لماذا ارتبط تاريخ المسلمين بالهجرة النبوية؟
بقلم :عمر فانجوخ
من بين جميع الأحداث الكبرى في التاريخ الإسلامي، تبقى الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة علامة فارقة، لم تُخلّد فقط باعتبارها حادثة انتقال جغرافي، بل بوصفها لحظة تأسيسٍ تاريخيةٍ للدولة الإسلامية الأولى. ولهذا السبب، لم يكن من المستغرب أن يُربط تقويم المسلمين بها، وليس بميلاد النبي محمد ﷺ أو بداية نزول الوحي.
الهجرة: ميلاد الدولة الإسلامية
الهجرة النبوية لم تكن هروبًا من الاضطهاد فحسب، بل كانت الخطوة الحاسمة نحو تأسيس كيان سياسي واجتماعي واقتصادي متكامل. في المدينة، أصبحت الدعوة الإسلامية مشروعًا حضاريًا شاملاً، لا يقتصر على العبادات والعقائد، بل يمتد إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية، ووضع أسس العدل، ورسم السياسات الداخلية والخارجية. فقد تحولت الجماعة المؤمنة من مجرد أقلية مضطهدة في مكة، إلى نواة دولة ذات سيادة، بقوانينها، وقضائها، وتحالفاتها.
الإسلام: دين ودولة
من هنا تتجلى الرؤية الإسلامية التي ترى أن الدين لا ينفصل عن الدولة، فالإسلام ليس فقط عقيدة تعبدية، بل نظام حياة شامل. وقد كان النبي ﷺ نبيًا ورسولًا، وفي الوقت ذاته قائدًا سياسيًا، وحاكمًا عادلًا، ومشرّعًا. ولم يكن هذا من باب المصادفة، بل هو تأكيد على أن الإسلام جاء ليقيم دولة الحق والعدل، ويقود الإنسان في مختلف جوانب حياته.
التخطيط في الهجرة: نموذج إداري واستخباراتي متقدّم
ولعل ما يلفت النظر في الهجرة، هو دقة التخطيط، وسرية التنسيق، والبعد الاستخباراتي المتقدم. فقد أُحكمت أدوار المشاركين: عبد الله بن أبي بكر لجمع الأخبار، وأسماء بنت أبي بكر لنقل الطعام والمؤونة، وعامر بن فهيرة لتضليل الأثر، وعلي بن أبي طالب للمبيت مكان النبي ﷺ. كل ذلك يعكس فهماً عميقًا لأهمية التخطيط الأمني والسياسي، مما يبرهن أن النبي ﷺ لم يكن مجرد رجل دين، بل كان رجل دولة من الطراز الرفيع.
دروس متجددة عبر العصور
ربط التاريخ الإسلامي بالهجرة النبوية لا يعني فقط تأريخًا لحدث مفصلي، بل تذكيرًا دائمًا بمعاني التضحية، والتخطيط، والعمل المؤسسي، وضرورة الجمع بين العقيدة والتنظيم. ومن هنا، تتجدد أهمية هذا الحدث عامًا بعد عام، لتلهم الأجيال الإسلامية المعاصرة ببناء دول قوية قائمة على قيم الإسلام في العدالة، والشورى، والإدارة الحكيمة.